كتب
مراسل جريدة ECHO
D’ORAN)ُُ'L)
في سبتمبر 1950
واصفا إحدى هذه اللقاءات قائلا:" تعرف
مدينتنا منذ أيام توافدا غير معتاد بحيث
نلتقي يوميا مسلمين يتكلمون لهجات
مختلفة عن لهجة المنطقة, واتضح أنهم
قادمون من مليلية و وجدة
و تلمسان، مقصدهم الزاوية العلاوية
التي يعد اتباعها بالآلاف عبر كامل
إفريقيا، لحضور مؤتمرها السنوي" و
يضيف الصحفي قائلا: صرح "م.لموان"
رئيس البلدية ومندوب الجمعية الجزائرية
بأنه معجب ببساطة الشيخ (الحاج عدة) الذي
نشعر بصدق أقواله ويضيف مخاطبا الشيخ:
"إن تطبيق مبادئكم التي تلقنونها
اتباعكم كفيلة بان تدخل السعادة إلى
قلوبنا ومطامحنا المشروعة".
وهكذا
كان الحال في كل سنة يتوافد الزوار
وأعيان المدينة دون تمييز بين عرق أو دين
للتعبير عن مودتهم للشيخ.
ومن
جهة أخرى كان بعض ممثلي الإدارة
الاستعمارية يرون في هذه التظاهرات
الروحية وسيلة للمراوغة الغاية منها
إيقاظ الجماهير وتجنيدها لصالح الحركة
الوطنية.
ومن
ذلك ما جاء على لسان الجنرال (ب.ج اندري)
من أكاديمية العلوم الاستعمارية متأثرا
بالجو السائد في تلك الفترة فوصف الشيخ (سيدي
عدة) بأنه شخصية مشكوك فيها يقول:" يبدو
أن روح الطريقة العلاوية قد تغيرت بعد
موت مؤسسها فقد خلفه فيها عدة بن تونس
المنزل منزله الابن والذي لم يبق له من
النفوذ إلا مجرد اعتقادات
دون قدرته على مواصلة العمل الروحي
الذي كان لشيخه (بن عليوة) وعلى ما
يبدو تقترب فكرته من فكرة جمعية العلماء
المسلمين
( حركة
إصلاحية تغيرية دينية ظهرت في الجزائر
وفي معظم البلاد الإسلامية مع بداية
القرن العشرين)
:
من تأسيس المدارس و إصدار الجرائد باللغة
العربية و التأثير على الجماهير المسلمة
من اجل إيقاظها و بث الروح الوطنية فيها و
الجنوح إلى الشدة إذا لزم الأمر
."
أبلغ
من هذا صدور تقرير مجهول عن مصالح
المخابرات الاستعمارية يصف الشيخ بأنه
شخصية خطيرة: يقول التقرير: " بالرغم من
وسائله الضعيفة وقلة تأثيره فإنه يتوفر
على نفسية ماكرة ومغرورة ومخادعة؛ وهو
شخص يريد أن يلعب دورا ما باستطاعته أن
يضر كثيرا / طبعا ليس بين طبقة المثقفين
لكون معرفته الأدبية ضئيلة/. ولكن بين لفيف
الجماهير البسيطة و الساذجة والأمية،
بحيث يمكن أن يؤثر فيها ليوقظها ويحرضها
بإرشاداته وبواسطة المراكز التي أنشأها
والتي سينشئها متى وجد الوسط الملائم,
ذلك أن روح الشيخ عدة بن تونس وبغير جدال
روح وطنية".
وفي
نفس السجل معلومة أخرى عن مركز الإعلام
والدراسات للحكومة العامة بالجزائر
مؤرخة في 05
جانفي 1948
تنص:" أنه في شهر مارس 1937
بعث رئيس دائرة مستغانم إلى حاكم عمالة
وهران ترجمة لقصيدة ألفها الشيخ (عدة بن
تونس) وكتب في التقرير المرفق ما نصه : "إن
هذه القصيدة تنحو نفـس المنحى الذي أبداه
(عـبد الحميد بن باديس) في بدايته كضرورة
تعليم المسلمين واتباع الدين بصفة صارمة
وحثهم على الاتحاد ثم أضاف رئيس العمالة
بالنيابة وهو يتحدث عن الشيخ (سيدي عدة)
يجب أن تراقب تحركاته عن قرب حتى لا يؤثر
في الأهالي...".
وعلى
النقيض من ذلك فإن العقيد (شوان رئيس
مصالح اتصالات شمال إفريقيا لدى الحكومة
العامة بالجزائر), لا يشارك رئيس العمالة
هذا الرأي، إذ كتب في تقرير له ما نصه:"
إن المسيرين العلاويين لم ينخرطوا في أي
حزب سياسي، ولم يشاركوا في أي انتخابات،
بل لم يشاركوا حتى في الملتقيات الطرقية
سواء قبل أو بعد الحرب.
كما
لم ينضموا إلى جمعية مشايخ زوايا
الجزائر، و لا إلى زعماء زوايا إفريقيا
التي كان يرأسها الشيخ الكتاني من فاس،
ولا إلى رؤساء زوايا المغرب الشرقي التي
تأسست سنة 1953
برئاسة الشيخ لعرج القنادسي ذلك الذي قاد
حملة ضد حزب الاستقلال.
كما
لم يطلب المسيرون العلاويون أي امتيازات
أو علاوات أو رواتب، ولم يشارك أي منهم في
الحملات التي كانت تنظم ضد جلالة (الملك
محمد الخامس) من طرف الجلاوي والشيخ
الكتاني, ولم يؤكد أي واحد منهم حضوره في
المؤتمر الطرقي الذي انعقد بفاس سنة 1953.
إذن
يتعلق الأمر بطريقة غير رجعية يحركها
وازع ديني صادق، بعيدة عن أمور هذا
العالم الدنيئة، وبعيدة عن كل إثارة أو
اضطراب، متميزة بذلك عن كثير من الطرق بل
ولا تقيم معها في الغالب أي علاقة."
وبالعكس
من ذلك فإن الإسبان الذين كانوا يحتلون
شمال المغرب أين كانت الطريقة العلاوية
واسعة الانتشار يرون أن الشيخ (الحاج عدة)
عميلا للدعاية الفرنسية ضد المصالح (الفرانكية)
ففي تعليمة صادرة عن القنصلية الفرنسية
بمليلية موجهة بتاريخ 18
أوت 1945
إلى السفارة الفرنسية بالرباط تنص على ما
يلي:
"
يشرفني أن أعلم معاليكم بأن السلطات
الإسبانية للحماية تبدو قلقة من نشاط
وتقدم الحركة العلاوية التي ترى فيها
أداة للدعاية الفرنسية."
وبالفعل
فإن تقريرا مؤرخا بالفاتح من هذا الشهر
يوضح فيه ممثل الأهالي (للجنرال فاريلا)
من أن الاجتماعات المنعقدة في 28
-
29
جويلية المنصرم بسيدي طلحة من طرف
الطريقة العلاوية كانت اجتماعات ّذات
أهمية ركزت على الأتباع
من أهل الناحية وقد تلقى إثرها رؤساءهم
إنضمامات جديدة.
ويشير
الممثل بعد ذلك" أن مقر هذه الجمعية
بمستغانم وأن أصلها فرنسي وما هي إلا
سلاح سياسي توجهه فرنسا ضد الحماية
الإسبانية" وحسب نفس التقرير دائما
فإن شخصية مسلمة شبهت" توسع الطريقة
العلاوية بالمنطقة الإسبانية بتوسع
الشيوعية في العالم".
مما
حدا بالسلطات الإسبانية منع الشيخ من
دخول المنطقة التي كانت تحتلها بشمال
المغرب لدى سفره بعد الحرب العالمية
الثانية لزيارة اتباعه هناك.
في
إنجلترا كانت الجالية اليمنية المنظوية
تحت لواء الطريقة العلاوية جالية مشبوها
فيها بالنسبة للسلطات الفرنسية التي
كانت ترى أنها تخدم مصالح أجنبية لاسيما
المصالح الإنجليزية والمصرية.
وقد
استند صالح خليفة
على تقرير اتصالات شمال إفريقية ينص على
أنه حوالي 1946
اتصل ثلاثة عسكريين إنجليز بالشيخ (الحاج
عدة) واعدين إياه بمساعدة مالية مهمة إذا
أخذ بعين الاعتبار مصالح السياسة
الإنكليزية إلا أن الشيخ رفض هذا العرض.
لدى
وفاة الشيخ العلاوي كان للطريقة
العلاوية نفوذ واسع باليمن وإنجلترا تحت
تصرف مقدم كان يعيش بكرديف انشق بعد ذلك
عن الطريقة إنه عبد الله الحكيمي الذي
كان مواليا للإنجليز والمشتبه فيه من أن
له علاقة بمقتل الإمام يحي ملك اليمن.
ولما لم تعد للشيخ سيدي عدة ثقة بهذا
المنشق عين مكانه الحاج حسن إسماعيل
ومحمد علي عوضي المرادي.
وفي
مقال صدر بالجريدة الإسلامية ISLAMIC
REVUE))في
شهر أوت 1952
ذكر
هذه الجالية المسلمة قائلا:" يوجد
بإنجلترا جالية هامة من مسلمي اليمن
ينتمون إلى الطريقة العلاوية التي أسسها
(الشيخ بن عليوة) بالجزائر وقد أقامت هذه
الجمعية مؤخرا احتفالها السنوي أيام 9
- 10 -
11
ماي بكرديف تحت إشراف رئيس إدارتها الشيخ
حسن إسماعيل وبمساعدة السيد ناصر يحي (المقتصد)
والسيد (علي باشا) مستشار الجمعية.
وخلال
الاحتفال الذي دام ثلاثة أيام كان هؤلاء
الأتباع يطوفون شوارع الحي المسلم
بالذكر والتهليل,الشيء الذي ترك أثرا
بليغا في المدينة.
وكان
في هذا الاحتفال حضورا بليغا لمسلمي
المناطق المجاورة والبعيدة قدموا عبر
حافلات مليئة من بيرمينغام ومن مدن مهمة
أخرى. وكان ضمن المدعويين مستشاروا
المجلس الإسلامي من بينهم السيد إسماعيل
من (يورك) صاحب المجلة الإسلامية والنائب
بالمجلس والعقيد عبد الله (بانس هويت) وهو
مسلم إنجليزي معروف جدا."
إن
حجم هذه الجالية وحركتها كانت من الأهمية
بمكان ويتجلى ذلك في الطلب الذي قدمته
إلى جامع الأزهر بمصر بغية إرسال بعثة
دينية لتقوم بوظيفة التعليم. وقد نشرت
جريدة (المصري) فحوى هذا الطلب في إحدى
أعدادها الصادر في 11
مارس 1952
:" إن مشيخة الأزهر تدرس ببالغ
الاهتمام الطلب الوارد عليها من الجالية
المسلمة بكرديف لإرسال أستاذ في الشريعة
من أجل نشر مبادئ اللغة العربية وثقافتها
إذ تضم هذه المنطقة الإنكليزية جالية
مسلمة هامة جدا".
أثار
هذا الطلب قلقا لدى الحاكم العام
بالجزائر (م. أ . نايجلن) بحيث طلب من سفير
فرنسا بالقاهرة
(ج . أرفنقاس) أن يطلعه على حيثيات هذا
الموضوع فأجابه برسالة مؤرخة في 28
ماي 1949
هذا بعض ما فيها: " لقد طلبتم منا في
رسالة لكم تحت رقم 853
مؤرخة في 13
أبريل معلومات عن العلاويين, حسب
معلوماتي فإن الطريقة العلاوية ليس لها
أي عضو هنا باستثناء الشيخ الهلالي بن
محمد عميمور من العلماء الجزائريين وهو
معروف جيدا لدى حكومتكم العامة.
...
إذن فإرسال أستاذ مصري إلى كارديف لا
يعبر بتاتا عن إرادة مصر في بسط نفوذها
على هذه الجالية الدينية، علما أن هذه
الطرق ليس لها نفس التأثير في مصر كما هو
الحال في شمال إفريقيا، زيادة أن هذه
التدابير لا تعكس إلا رغبة مصر في امتداد
ثقافتها عن طريق إرسال بعثات علمية – كما
فعلت ذلك منذ حوالي سنة – إلى مختلف
الدول الإسلامية".
هذه
بعض الأحداث التاريخية التي كانت تصنع
الجو المشوب بالشبهات والضغوطات التي
أحاطت باستمرار حول الشيخ (الحاج عدة)؛
غير أن تلك الضغوطات والمرض السكري الذي
أصابه طيلة حياته مهددا صحة هذا الأستاذ
الروحي لم ينالا من همته ولم يؤثرا في
صفائه ولا في عزيمته القوية لنشر رسالة
التسامح والأخوة والمحبة التي كان
يحملها في باطنه.
ولا
أدل على ذلك مما ذكرته جريدة المنار
التونسية في عددها الصادر بتاريخ 26
ديسمبر 1952
بقلم كاتبها محمد قداس (مندوب المؤتمر
الروحي العالمي) إذ كتب يقول: "عرفت
الطريقة العلاوية منذ 1934
انطلاقة جديدة بفضل تفاني الشيخ (سيدي
عدة بن تونس) وبذله من الجهد بغير حساب من
أجل تعليم مريديه وتوجيههم لما فيه
صلاحهم دينا ودنيا وحثهم على التعلق
بالأخوة الإنسانية والسمو الروحي.
وبإجماع كل الذين عرفوه هنا بالجزائر
سواء مريديه أو غيرهم يعترفون بفضائل هذا
الشيخ ونبله.
كما
تجدر الإشارة إلى أنه يتمتع بمكانة خاصة
ومودة حارة وتقدير لا مثيل له في الأوساط
المسيحية بحيث يستقبل زواره من غير
المسلمين بلطف وكرم دون المساس بقناعتهم
مذكرا في كل لقاء بهم أن جوهر الدين هو
أحسن قاعدة للأخوة المتينة والدائمة.
على
أي فإن شهرة الشيخ (عدة بن تونس) قد جاوزت
حدود إفريقيا والمشرق العربي مما جعل
كثيرا من الشخصيات عبر أوروبا و أمريكا
تعتنق الإسلام بفضل اتصالهم به"، و
يعلق الصحافي قائلا:" ما هي وجهة نظركم
في هذا ؟"
فيجيبه الشيخ قائلا:" فكرتنا هي أن
تعود الإنسانية قاطبة إلى الأخوة
والسلام عن طريق ثقافة مكارم الأخلاق
وكذلك بواسطة حمل التعاليم الدينية بهمة
عالية إلى أن نبلغ حقيقة الأخوة الكامنة
في قلوبنا ككمون الزبد في اللبن ولو أن
الإنسانية استعادت ولو قليلا تلك الأخوة
لشملها سلام الله. ولزال كل اختلاف تاركا
مكانه المحبة والأخوة وتزول حينئذ
كل الأحقاد والنزعات ويعيشون في سعادة لا
يكدر أخوتهم أي شيء ؛ هذه فكرتنا".
في
أطروحة دكتوراه دولة تقدم بها المؤرخ
صالح خليفة كما تقدم سابقا تحت عنوان "
العلاويون و المدنيون" بين فيها جملة
من مشاكل الميراث الذي تلقاه الشيخ سيدي
عدة بعد وفاة (الشيخ العلاوي) خصوصا من
بعض كبار المقاديم، "غير أن مؤتمرا
عاما انعقد يوما بعد جنازة الشيخ العلاوي
جمع جل اتباع الطريقة العلاوية بايعوا
فيه بالإجماع الشيخ (عدة بن تونس) خليفة
جديدا للطريقة العلاوية.
هؤلاء
المريدون بوصفهم المدافعين الشرعيين
أسسوا اختيارهم هذا على ما كان للشيخ (سيدي
عدة) من علاقة وطيدة بالشيخ العلاوي وبما
عرف عنه بخدمته المتفانية لشيخه وبرهنته
على صدق عواطفه فضلا عن جعله خليفة له في
حياته بمنحه حق التصرف المطلق بكامل
ممتلكاته من منقول وعقار خصوصا وهو الشيخ
المدقق و القائد الحكيم, لذا عين الشيخ
سيدي عدة بوصفه المريد الأكثر نزاهة
وكفاءة وبما له من الخصال الحميدة والسمو
الروحي والترقي في مراتب المعرفة التي
أهلته ليكون القائم على شؤون ومصير
الطريقة العلاوية بعد انتقال شيخه."
وقد
كان لبعض الأقطار الخارجية يدا في حركة
الانشقاق هذه، ففي تقرير سري حول منطقة
الريف بالمغرب التي كانت تحت الحماية
الإسبانية مؤرخ في ماي 1950
يقول - مشيرا إلى الطريقة العلاوية- :" ولذا
حاولت ( السلطات)
خلق
حركة انشقاق داخل الطريقة العلاوية
يتزعمها مقدمون منشقون من أهل المنطقة،
ولكن بدون جدوى". ومن هنا ندرك لماذا
منعت السلطات الإسبانية دخول الشيخ إلى
المناطق الخاضعة لسلطتها بالمغرب لسبب
تافه.
لقد
بينت أطروحة المؤرخ صالح خليفة: " من أن
الطريقة العلاوية في عهد الشيخ (سيدي عدة)
كادت تقضي عليها مشاكل لا حصر لها. فالشيخ
عدة لم يكن ليواجه حركة الانشقاق الواسعة
التي ظهرت بعد سنة 1934
فحسب، بل كان عليه أن يواجه كذلك الورثة
من أولى عصبة الشيخ العلاوي الذين ابدوا
احتجاجهم واستنكارهم على صيغة الميراث
الواردة في الوصية، التي حرمتهم من حق
الاستفادة منه وجعله ميراثا لا يسخر
للاستغلال الذاتي، بل وقف على أهل النسبة
من أهل الطريقة العلاوية؛ وقد حاول
الورثة إلغاء هذا الإجراء عن طريق القضاء
ولكن باءت كل محاولاتهم بالفشل ".
رغم
كل تلك الصعاب والمحن فقد راح شيخنا يعمل
على تنمية ذلك الميراث الذي ورثه عن شيخه
فبدأ بإعادة إصدار جريدة " لسان الدين
" سنة 1937
الذي بدأ أول الأمر بمدينة الجزائر ثم
بمستغانم فكان بهذه الوسيلة ينشر تعاليم
التصوف ومبادئه ويدافع عنه ردا لهجمات
الإصلاحيين.