بسم
الله الرحمن الرحيم
(القسم
الأول)
رسالة
الشيخ خالد عدلان بن تونس إلى ملتقى
الذكرى الخمسين لوفاة
الشيخ عدة بن تونس .
المنعقد في تاريخ
23-24
شعبان 1423
الموافق لـ 30-31
أكتوبر 2002
بدار الثقافة
لمدينة مستغانم
الشيخ
سيدي عدة بن تونس .
عبر
مؤلفاته و
مآثره و شهادات حية لمجموعة
من الكتاب و رجال الصحافة
و الشخصيات الإدارية، و بعض معاصريه
من الأتباع و المحبين.
إن
الحديث عن الشيخ (سيدي عدة بن تونس) ،
ومآثره ليس
بالمهمة السهلة فوفاؤه وملازمته
وانقياده بروحه لأستاذه (الشيخ احمد بن
مصطفى
العلاوي)
حتى آخر رمق شكلت منه شخصية مصقولة
كالبلور الخالص المتعدد الأوجه تتلألأ
كل صفيحة من صفائحه بضياء منفرد أخاذ.
لقد
رسم في ذاكرة الذين عرفوه أو التقوا به
ذكرى راسخة لا تتبدل،
إنه شخصية
عاشت مغمورة في الحضرة الربانية نادى
ودعا دون ملل إلى النهضة
وإلى
الأخوة الواجب تحقيقها في الإنسان ، وعبر
شهادات الذين عرفوه/ وصلت بعضها إلى درجة
التناقض/ نلمس الطابع الخاص لشخصية هذا
الرجل الذي رسم مصيره منذ كان في الثامنة
من عمره عند لقائه الأول بأستاذه الشيخ
العلاوي الذي كان في تلك الفترة مقدما
للشيخ سيدي (محمد بن الحبيب البوزيدي).
جون
بياس/ الذي كان يبلغ من العمر حينها 19
سنة و شرف بملاقاة الشيخ سنة 1952
بزاوية مستغانم/ يقول: " إن المستقبل قد
دل على أن هذا الرجل شرف شبابه كما أن
شيخوخته شرفت طفولته. حتى صار الشيخ عدة
وليا صالحا, أسس منهاجه وسط الأنس
الرباني, ولا يزال إلى الآن حاضرا
في نفسي كما هو تماما, على رأسه عمامة
مرتديا جلابة عريضة بيضاء / والتي ستكون
يوما كفنه / وفي عنقه سبحة ذات تسعة
وتسعين حبة/ إشارة إلى أسماء الله الحسنى/
وتمام المئة يبقى اسما خفيا لا ينطق,
والأسماء صفات دالة على الكمالات
والأفعال الربانية المتجلية في الكون
المشيرة للذات الإلهية.كان يعبق منه شذا
التواضع والمحبة والصبر والحلم والبساطة".
كان
في صغره كباقي أطفال حي تجديت (الحي
العربي بمستغانم حيث ولد) يذهب إلى
الزاوية من أجل تعلم القرآن إذ كانت
المؤسسة الوحيدة للتعليم الديني, ومند
الصبا أحس التلميذ نفسه منجذبا نحو جو
الزاوية ومنبهرا لنجابة المريدين وشيئا
فشيئا انخرط في تلك الطريقة مع أخيه
الأكبر (منور بن تونس) وأصبحا مريدين
مثابرين على حضور الدروس التي كانت تلقى
من طرف الكبار بالزاوية كالقرآن
والشريعة واللغة العربية وكذلك دروس
السماع ,ومن ثم رسمت له طريقه وانصب منكبا
/روحا وجسدا/ على العلم الظاهري والباطني
الذي كان يتلقاه من شيخه وأبيه الروحي (أحمد
بن مصطفى العلاوي)".
وعندما
بلغ الثامنة عشر تم استدعاؤه مثل كافة
الشباب الجزائري في سنه إلى الخدمة
العسكرية وتم توجيهه نوح الفيلق الثاني
والسادس للرماة الجزائريين وانتهت
تعبئته سنة 1921
برتبة
رقيب وبالطبع عاد بعدها إلى الزاوية إلا
أن رجوعه إلى صحبة شيخه لم يرق والدته,
ولما شعرت باليأس من جهة عدم رجوعه إليها
دعته مرة وطلبت منه الإبتعاد عن شيخه حتى
يكون لنفسه أسرة, وقد أورد (جون بياس) هذا
الحوار بينه وبين أمه:
الأم:" دعك من
الشيخ العلاوي وخذ هذه الحلي فهي لك وكون
بها أسرة"
.الإبن: "وأنا بدوري أمنحها لك
ودعيني مع شيخي".
في
سنة 1922
سافر بإذن من شيخه إلى جامع الزيتونة
بتونس وكان عمره حينذاك أربعة وعشرين سنة
فمكث هناك عامين, درس فيها علوم اللغة
العربية والشريعة. بعد هذا المقام القصير
خارج الجزائر عاد إلى جانب شيخه من أجل
التفرغ لخدمة الطريقة, ولما لاحظ (الشيخ
العلاوي) أهليته للتربية الروحية قربه
منه قربا حميميا واسند إليه عدة مهام
وخصوصا تمثيله في مختلف المناسبات, وبعد
سنة تقريبا زوجه من ابنة أخته (خيرة بن
عليوة) التي كفلها منذ صغرها ورباها
كابنته بعد وفاة والديها.
لما
أحس (الشيخ العلاوي) بقرب المنية كفل (الشيخ
سيدي عدة) كفالة شرعية بحيث جعله بمنزلة
الإبن ومن ثم سلم له مقاليد التسيير
المطلق، فجعله المتصرف الوحيد, كما نص
على ذلك عقد الوصية مرجع kk
838
رقم
594
من
فهرس محكمة مستغانم الفصل الرابع.
"إن
الحبس بجميع أنواعه يكون تحت تصرف المنزل
منزلة الإبن، حضرة السيد (بن تونس عدة)
ولد بن عودة الساكن بمستغانم يجرى فيه
على حسب المنصوص عليه بدون ما يتعرض له أي
أحد إلا إذا خرج عن مراد المحبس بحبسه
خروجا فاحشا. وهكذا يبقى جميع ما تقدم
ذكره تحت يده ما دام في قيد الحياة وبعد
وفاته ينتقل إلى الصالح من أبنائه وإذا
لم يوجد من النسل المستعد لذلك فينقل لمن
صلحت سيرته وتحققت نجابته من
الاتباع".
بهذا
خلف شيخه الجليل الذي توفي في 14
جويلية 1934
مخلدا عمله بمواصلة تربية النهضة
الروحية المنوطة بالزاوية الأم بمستغانم
وبمختلف الزوايا العلاوية بالجزائر
والمغرب وفلسطين وسوريا والأردن ومصر
والحجاز وغيرها.
وكان
يستقبل بالزاوية زوارا من مختلف
الجهات عبر العالم مسلمين
و غيرهم فكانوا يلقون منه استقبالا
حيا حارا كما تبينه هذه الشهادة "لكاترين
دولورم" التي زارت الشيخ بمناسبة
الاحتفال السنوي للطريقة العلاوية: "كان
الشيخ عدة بن تونس يقف أمام الباب
لاستقبال الزوار الوافدين من كل نواحي
المغرب والجزائر وكان يبدو وكأنه ينتظر
وصولي, واستقبلني كأحد أفراد عائلته
الروحية وكنت مندهشة أمام مظاهر التقدير
والاستقبال الذي خصني به فوجدت نفسي
مرتبكة ومطمئنة في نفس الوقت كما أنني
كنت قلقة إذ جئت والحفلة في أوجها فإذا بي
أمام هذا العدد الهائل من الفقراء(...)كنت
أسمع ما يقول لي ولكن لم أكن أعي إلا
القليل، لأن وجهه أخذ كل انتباهي،
فاكتشفت فيه كتابا مفتوحا، وكنز فضيلة
ومحبة وصبر وصدق، وكان باحتشامه يضفي على
شخصيته وداعة أكثر تأثير و جاذبية من
الإعجاب بالنفس."
كانت
هيبته وبساطته وإنسانيته معروفة لدى كل
سكان المدينة الذين كانوا يحبونه
ويحترمونه.
أما
بمناسبة الاحتفالات التي كانت تقام
بمستغانم فإن الجو كان ملونا بجمال
الأناشيد الصوفية المثيرة مما يضفي على
المدينة/ لبرهة من الزمن /طابعا خاصا،
فتصبح ملتقى عالميا لرجال ونساء عطشى
للحب الرباني، و شهادات ناطقة على الأخوة
الإنسانية.