Rechercher

dans ce site
 

     

      Signaler un BUG ?   Ajouter ce site aux favoris    Mail-contact

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم  

(القسم الثالث)

 رسالة الشيخ خالد عدلان بن تونس إلى ملتقى الذكرى الخمسين لوفاة  الشيخ عدة بن تونس .

  المنعقد في تاريخ  23-24 شعبان 1423  الموافق لـ 30-31 أكتوبر 2002   

                  بدار  الثقافة  لمدينة مستغانم

 الشيخ سيدي عدة بن تونس .

عبر مؤلفاته  و مآثره و شهادات حية  لمجموعة من الكتاب و رجال الصحافة   و الشخصيات الإدارية، و بعض معاصريه من الأتباع و المحبين.

 

طبع أول كتاب له الروضة السنية والذي دون فيه سيرة شيخه (أحمد العلاوي) وهو نفس الكتاب الذي نقل منه (مارتن لينجر) أغلب معلوماته في كتابه المشهور والذي ترجم إلى عدة لغات[1] وفي سنة 1939 أسس جمعية التذكير العلاوية والتي بواسطتها فتح عدة مدارس للغة العربية والتعليم الديني.

ويعود صالح خليفة في أطروحته ليذكر" بالمصاعب التي واجهت الشيخ (سيدي عدة) حينما طلب من السلطات الإذن له بإيواء المنحرفين القصر المزج بهم في السجون من أجل تكوينهم وتعليمهم وقد نشر " لسان الدين " عدة مقالات ضافية من كتاب متطوعين طالبوا السلطات الفرنسية بإسناد هذه المهمة الحساسة إلى الشيخ (سيدي عدة). فتمخض عن ذلك قبول السلطات هذا الطلب سنة 1938 وتوافد على الزاوية دفعات متتالية من عشرات المنحرفين القصر، فكانوا يوجهون حسب اختياراتهم إلى أعمال البستنة أو المطبعة أو نحو ورشات الميكانيكا العامة أو صناعة المخبزة، فكان العمل بالنهار والتعليم بالليل قصد إدماجهم وتأهيلهم اجتماعيا [2]."

في سنة 1946 اصدر مجلة ثانية مزدوجة اللغة تصدر رأس كل شهر؛ هي مجلة المرشد التي كانت تطبع بالمطبعة العلاوية بمستغانم والتي استمرت حتى جانفي 1952.

بجهاده هذا كافح الشيخ (سيدي عدة) على جبهات متعددة وفاء لتعاليم شيخه وتوضيحا للجدل القائم برفع اللبس وإنهاء لكل خلط بين المرابطية والظلامية والتصوف، ذلك الصراع الذي كانت تغذيه بعض العناصر الإصلاحية لأغراض حزبية.

والجدير بالذكر أن جمعية العلماء الجزائريين التي تأسست في ماي 1931 وكان الشيخ العلاوي عضوا مؤسسا لها. "جمعت بين عدة توجهات مختلفة تمثلها شخصيات معروفة إما بثقافتها الدينية أو بمكانتها الاجتماعية أو بأنشطتها في حقل الصحافة والتعليم[3]."

غير أن هذه الجمعية أخذت تتوجه توجها مغايرا إذ أصبحت آلة بيد الإصلاحيين للقضاء على التيار الصوفي  في الجزائر.

كما أوضحت ذلك (سوسي انديزيان) بمساهمتها في الكتاب المسمى "طرق الله"

"لم تحقق المحاولات المتتالية للإصلاحيين من أجل القضاء على الحركة الإخوانية (الطرق الصوفية) أي نجاح يذكر بحيث لم تقدر على ذلك حتى الإدارة الاستعمارية التي لجأت إلى غلق بعض الزوايا ومنع اتباعها من حضور المواسم  .

ولذا فإن خلاصة (مراد) في عمله ذو الأهمية البالغة حول الحركة الإصلاحية والتي مفادها أن الطرقية قد استأصلت جدريا من طرف الإصلاح لم تكن صحيحة إلى حد بعيد.

ففي أطروحة منوغرافية محلية أوضحت الاختلاف الكبير للأوضاع السائدة التي خلقتها محاولات السعي للتموقع والهيمنة على الجزائر من قبل الإصلاحيين. خلال فترة الثلاثينات، ومع ذلك فإن الطرقية وحركة الإصلاح لم يكنا قطبين متناقضين على الدوام إذ أن بعض رؤساء الزوايا وبسرعة فائقة تقبلوا فكرة الإصلاح، بل من المشايخ من مارس الإصلاح حتى على مستوى زواياهم ومناطق نفوذهم قبل ذلك بكثير مما سهل عليهم الانخراط في جمعية العلماء الجزائريين بمجرد ظهورها. في نفس الفترة نشاهد ميلاد طريقة جديدة هي الطرية العلاوية 1920  التي دخلت في صراع ديني مع العلماء.

وخطة الإصلاحيين كفاح ثقافي ديني وسياسي ضد الإدارة الاستعمارية وأصحاب النفوذ المحليون من رجال الدين والسياسة تحت شعار براق: (العروبة والإسلام).

إن سبب تقهقر الطرقية في الجزائر بعد الاستقلال غير مرتبط بنجاح التيار الإصلاحي، بل يعود سببه أكثر إلى انهدام بنية المجتمع الجزائري وإعادة بناء هيكلة الحكم فيه من جديد، فتمخض عن ذلك نظاما تبنى إسلاما دينا للدولة حدد مفهومه من قبل الإصلاحيين، يقصي المظاهر التصوفية من الحقل الديني في الجزائر المستقلة، بيد أن التيار الصوفي وان اهتز مع عصرنة الهياكل الاجتماعية إلا أنه تماشى قليلا مع مستجدات الأحداث المحلية وبرز بروزا نسبيا حسب مكانته في الخريطة الوطنية الجديدة، حيث واصلت بعض الطرق تحافظ على وجودها بأشكال ووظائف أخرى في مجال التعليم الديني كما هو شأن الطريقة الرحمانية   و العلاوية اللتين كانتا فضاءات دينية اجتماعية للكثير من الوافدين خصوصا النساء اللواتي كن يتجنبن اعتياد المساجد لاعتبارها أماكن للذكور فقط حسب اعتقادهن[4]."

و إنه لمن المهم العودة في هذا المجال إلى حقيقة هذا الموضوع الذي ظل محتقرا ومهانا، و لا يزال بالفعل هدفا لعديد من التلاعبات. فنذكر هنا دراسة للسيد (جاك كاري) يقول فيها:" منذ القرن الثاني عشر رأينا بروز عدة طرق دينية بشمال إفريقيا والتي من بينها الزوايا الصوفية التي أعطت للتصوف إطارا اجتماعيا لم تعطه المرابطية من قبل، تجاوب مع حاجيات المجتمع وهيكلة وتنظيم الشعوب اللازمين، فكانت الطرق مدعوة لأن تلعب دورا كبيرا لأسلمة المغرب."

ويقول (جاك كاري) بخصوص المرابطية:

"في الأصل إنها مؤسسة لنشر الإسلام والدفاع عنه ضد أعدائه، و حث المؤمنين على الوفاء لدينهم، فهي وثيقة الصلة بالجهاد، و المرابطية نفسها كلمة مشتقة من (المرابطون) والتي صحفت في اللاتينية إلى كلمة (ALMORAVIDES) وهم سلالة بربرية حكمت المغرب الأقصى وجزءا كبيرا من الجزائر ما بين 1055 - 1146 ميلادية، مذهب المرابطين مالكي متشدد وهم رجال دين وجهاد اتخذوا من (الرباط) مساكن لهم على شكل (أديرة) محصنة،    و إذا رجعنا إلى أصل الكلمة نجد أنها اشتقت من الفعل العربي (ربط) والذي يعني عقد – و أوثق و منه الرباط الذي كانت تجمع فيه الخيول معقولة(...) ورابط بمد الراء بمعنى حرس الحدود، إذن فالرباطات كانت مراكز يقظة مهمتها التنبيه على أي خطر. في دار الإسلام وهي المناطق التي كانت تخضع للتشريع الإسلامي تعد هذه الرباطات بعشرات الآلاف. وتنقسم حياة المرابطين داخل هذه الحصون إلى: تدريبات عسكرية وحراسة تناوبية وأداء الشعائر والعبادات(...)

خارج هذا الدور الذي لعبه هؤلاء الجنود النساك نجد نظاما شبيها إلى حد ما بنظام الفرسان الرهبان في الديانة المسيحية (فالمرابطون) عبارة عن رجال محترمين وسطاء بين الله والمريدين،  و هو نفس الدور الذي يقومون به إلى الآن، (والمرابط) رجل رباني مبارك متعلق بالله، ولهذا نجد مريديه يوقرونه ويقبلون ولو طرفا من برنوسه و أحيانا يقبلون حتى آثار خطواته، و هو بالنسبة لهم صانع كرامات وصاحب عبادة و ورع، فتراهم يوقرونه  في حياته وبعد مماته و ضريح المتوفى فيهم تعلوه قبة و هو عبارة عن مزار مقدس[5]".

واستكمالا للمقالة التحليلية التي قدمها (جاك كاري) فهناك شهادة العقيد (دوماس) الذي كان ضابطا بالجيش أثناء الغزو الفرنسي للجزائر إذ يصف المرابطين و تأثيرهم على المجتمع التقليدي فيقول: "لاحظنا أن (الأمين) و هو اسم قائد القرية، ليس له إلا دور رجل الأمن المحدود الصلاحية، ضعيف التأثير إذ لم يكن ليفرض النظام و السلم العموميين داخل البلد؛ و على أعوان الأمن أن لا يتجاوزوا حدود صلاحياتهم المتمثلة في صغريات المهام، لتبقى القضايا الكبرى بيد سلطة أوسع و أقوى و أعلى من سلطتهم إنها سلطة (الشيوخ) المرابطين المتعلقين بالله ، فإذا ما وقع نزاع بين قبيلتين فالشيوخ وحدهم لهم الحق في التدخل سواء لفك النزاع أو لعقد صلح أو هدنة بين الجانبين على الأقل لفترة ما. وفي حالة اختيار رؤساء القرية فالمرابطون هم من يقدمون لأهل القرية الأصلح و الأجدر وبعد ذلك يقرؤون الفاتحة تبركا.

و في حالة استمرار قبيلة ضعيفة معرضة للإبادة في مواجهة قبيلة قوية غالبة، فإن المرابطين يفرضون على المنتصرة إعلان الاستسلام، إن موقفا كهذا يجلي بوضوح عظمة هذه القلوب والعقول التي استطاعت أن تحفظ لكل طرف من المتخاصمين حقه من الكرامة، بوسيلة تحفظ كرامة العزيز إذا ما ضعف وبقاءه إذ ما هدد بالانعدام، تلك هي جبلة هذا الشعب.

و في الأسواق كذلك السلطة للمرابطين، بحيث لا سلطة للأمناء أمام سلطتهم، فأسواقهم أسواق حرة معفية من الضرائب ومن جباية الأسعار والرسوم، و ليس لأحد أي كان أن يخرق سياج هذا النظام الحر، بعكس أسواق العرب التي كان فيها صاحب الجنحة أو المقترف جريمة يلقى عليه القبض فورا، الشيء الذي لا يسمح به في أسواق المرابطين مهما كان الأمر[6]."

من الإنصاف الاعتراف من أن فكرة المرابطين قد أبعدت وغاب معناها الحقيقي من حياة الناس؛ و هذا راجع لا محالة إلى  انحطاط المجتمع الجزائري في مجمله، إذ لا تزال آثار هذا الانحطاط قائمة إلى اليوم: الاجتثاث من الأصول، الجهل، الفقر، غياب القيم الأخلاقية. كلها مظاهر أبعدت الإنسان الجزائري عن أصالته.

إن ثقافة السلف الصالح كانت هي القاعدة التي قامت عليها البنية الاجتماعية وحافظت على هوية هذا الشعب وبقائه أمة متماسكة، ثقافة قلصت من مظاهر العداوة والتصادم وجمعت الشعب و نخبه في إطار منسجم ومتناسق، غير أن هذه القيم همشت وغيبت تدريجيا.

هذه القوة الأخلاقية المتمثلة في هؤلاء الرجال الأتقياء وفي التعاليم التي لقنوها بسخاء داخل زواياهم أخذت تستأصل شيئا فشيئا، تارة بواسطة الاستعمار وتارة أخرى بتأثير الإصلاحيين؛ و فيما بعد بسبب التوجهات (السوسيو ثقافية) التي تبناها النظام الجزائري، هذا النظام الذي اختار من أول وهلة للاستقلال الإسلام  المجرد نهائيا من بعده الروحي، الذي لا يتجاوز طقوس العبادات البسيطة.

لقد عارض الشيخ (سيدي عدة بن تونس) بشدة هذا الفصل بين الإسلام وتعاليمه الروحية إذ عمل بكل ما في وسعه ليحافظ على ميراث المشرق والمغرب الروحي والثقافي.

في دراسة السيد (جاك كاري) التي تقدمت. يصف فيها الروح التي تنشطت فيه الطريقة العلاوية فيقول: " إن الطريقة العلاوية التي تأسست سنة 1920 على يد الشيخ (بن عليوة) حازت قصب السبق في الحفاظ على أصالة المبادئ القديمة للتصوف، و الانفتاح على مسايرة العصرنة و التحرر، و اللذين كنا نعتقد أنهما حجر على الإصلاحيين فقط ".

إن صدى رسالة الشيخ (سيدي عدة) تجاوز حدود المجتمع الإسلامي بحيث كان يخاطب الإنسانية جمعاء رغم الانقسامات والصراعات التي كانت تعرفها،" و استطاع أن يجسد بعفوية و تلقائية التفاهم السلمي الحي في مجتمع دولي كان غارقا طيلة ربع قرن وسط انفجارين هددا بحق الكائن البشري، ذلك الخطر الذي كان على وعي باحتمال وقوعه، فعمل - رغم المرض الذي كان يهدد صحته - على تقريب الناس بعضهم ببعض.

هذا المختار الذي كان عبدا لله جعل من نفسه خادما للإنسانية، بحيث كان يحمل في باطنه مرآة صقيله وجهها نحو الخلود، أظهر بسخاء لمريديه و زواره ولكل طالب كيف يجلوا عن أنفسهم غبار الأوهام، وكيف يوجهوا مرايا بواطنهم العاكسة من الزاوية المقابلة لمصدر النور[7]."


(يتبع)

[1]  مارتن لينجز  - الشيخ أحمد العلاوي – (مصدر سابق)

[2]  صالح خليفة (المصدر السابق)

[3]  Imprimerie officielle  Alger 1959 «  Le Maraboutisme et les confréries religieuses musulmanes en Algérie »Jacque Carret

Fayard Paris 1996 [4]  Alexandre Popovic et Gilles Veinstein « Les Voies d'Allah »

[5]  Jean Carret   مص مصدر سابق

Hachette Paris 1953[6]  Général E.Dumas « Mœurs et coutumes de l'Algérie »

[7]  صالح خليفة  -مصدر سابق -

  الصفحة السابقة    أعلى             Traduction (Français)              Documents                 الصفحة التالية

 

© adlania 2003.  Toute reproduction sans accord préalable est interdite

Ce site est hébergé par Free.fr