Rechercher

dans ce site
 

     

      Signaler un BUG ?   Ajouter ce site aux favoris    Mail-contact

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم  

(القسم الرابع والأخير)

 رسالة الشيخ خالد عدلان بن تونس إلى ملتقى الذكرى الخمسين لوفاة  الشيخ عدة بن تونس .

  المنعقد في تاريخ  23-24 شعبان 1423  الموافق لـ 30-31 أكتوبر 2002   

                  بدار  الثقافة  لمدينة مستغانم

 الشيخ سيدي عدة بن تونس .

عبر مؤلفاته  و مآثره و شهادات حية  لمجموعة من الكتاب و رجال الصحافة   و الشخصيات الإدارية، و بعض معاصريه من الأتباع و المحبين.

 

 

هذا الشيخ ذو الصفاء البلوري المتعدد الأوجه كشف لنا من إحداها حبه الخالص للكثير من المحرومين:

" نعم أصدقائي أحب السود رغم أنني أبيض، قد كنت عزمت بعد وفاة شيخي الروحي (الولي الأكبر الشيخ العلاوي) ترك عائلتي وبلدي للذهاب إلى إفريقيا حتى أعيش إلى جانب السود، وكان قلبي يحدثني حينها أن هناك قلوبا مخلصة صافية،   أجل من أعماق قلبي أحب السود، لا لكونهم سودا ولكن لأنهم عانوا كثيرا من رق العبودية، ولأنني عبد الله أحب العبيد، ولو أن الناس كانوا عقلاء لرضوا بطيب قلب أن يكونوا عبيدا، و أقول: لن ندرك مقام السيادة في هذه الحياة الدنيا ما لم نمر بمقام العبودية[1]".

 

إن هذا الاستعداد الروحي والانفتاح الإنساني الذين برهن عليهما الشيخ (سيدي عدة) كانا محل إعجاب وتعاطف واستقطاب لكثير من الأوروبيين نحوه،  و زاد ارتباطهم به أكثر بعد تأسيسه جمعية أحباب الإسلام سنة 1948 ؛ إذ كانت هذه الجمعية في تلك الفترة الوحيدة العاملة على جمع الكلمة في إطار الحوار واللقاءات بين الأديان ومختلف التيارات الفكرية.

كما أن المحاضرات التي كانت تنظم في هذا الإطار بنادي السياحة بوهران و في قاعة النزل الكبير بمستغانم جلبت إليها جمهورا عريضا كان يتوافد باستمرار للاستماع إلى تعاليم الشيخ.

ولتسليط الضوء على أهمية تلك المحاضرات نذكر هنا شهادة المقدم سيدي عبد القادر بالباي ـ رحمه الله ـ فيقول: " أرسلني الشيخ مرة إلى النزل الكبير لحجز القاعة الخاصة بالمحاضرات، ولدى وصولي طلبت مقابلة صاحب النزل -وكان يهوديا - فلما التقيت به وعلم بغايتي وأنني أريد القاعة للكراء تحاشى أن يرفض طلبي مباشرة فضاعف الثمن حتى  يصدني ويثبط عزمي، فعدت إلى الشيخ قلقا أخبره بما كان، فأمرني بالعودة إليه فورا لحجز القاعة بالقيمة التي حددها صاحب النزل،ولما عدت إليه راضيا بالثمن تفاجأ لذلك .

 لم يكن ذلك اليهودي على خبرة بمكانة الشيخ و اكتشف ذلك لدى حضوره المحاضرة، وفي نهاية اللقاء تقدم نحو الشيخ باكيا وهو يقول: "أرجو أن تقبل اعتذاري وتسامحني على ما بدر مني وهذه نقودك أعيدها إليك لأنك جعلتني اليوم اكتشف سيدنا موسى من جديد".

سردنا هذه الحادثة كمثال على لطافة وعظمة تعاليم الشيخ (سيدي عدة) الذي كان همه تأليف القلوب وإدخال السرور والبهجة إليها، حتى صار كثير من الأوروبيين المثقفين - من كتاب و أطباء و صحفيين- من جملة أتباعه وآخرون كثيرون تعلقوا به وربطوا معه صداقات رغم بقائهم على قناعتهم ومعتقداتهم.

لقد شاهدنا خلال المسيرة التي قطعتها جمعية أحباب الإسلام ظهور صحوة روحية حقيقية بفعل تلك المحبة الشاملة التي كان الشيخ يزرعها بلا انقطاع في قلوب من يقصدونه ذكورا وإناثا.

و على النقيض من ذلك فإن فئة أخرى رأت في هذا الانفتاح تيارا جارفا مدمرا نعتته بالماسونية الإسلامية المتطرفة التي استطاعت وبجراءة – تضيف قائلة - الجمع بين المؤمنين والملحدين، فكانت ترى في ذلك انزلاقا خطيرا حسب اعتقادها.

و بالفعل ففي الأسبوعية الإسبانية SIETE FECHAS كتبت في عددها الصادر في 11 أبريل 1950 تقول:"  آلاف المتطرفين المسلمين من عملاء السياسة الفرنسية الاستعمارية يتعاطون في زواياهم رقصة غريبة يصلون معها إلى درجة الصرع الهمجي، يتميزون بإطلاق لحاهم و وضع الطرابيش الحمراء الملفوفة بالعمائم البيضاء على رؤوسهم كرمز على تأكيد انتمائهم للطريقة العلاوية؛ يقودهم رجل اسمه رشيد محمد الهادي المدعو كذلك عدة بن تونس ضابط سابق في (السبايس) وهو رئيس هذه الطائفة وكذا رئيس جمعية أحباب الإسلام".

وتضيف الجريدة: " انزلاق خطير يتمثل في تسلل عقيدة قرآنية إلى جمعية أحباب الإسلام تسمح بالتعايش بين المسلم و غير المسلم. إن نشاط هذه الطائفة بفروعها الأوروبية تتشابه إلى حد كبير بالماسونية(...)"

و حتى ندرك الغاية التي كان يرمي إليها الشيخ (سيدي عدة) نفتح هنا قوسا لنتكلم قليلا عن رجل ذي شهرة واسعة هو السيد (فريجوف شيون). المعروف بـ(عيسى نور الدين).

عاد هذا الرجل للمرة الثانية إلى مستغانم في مارس 1935  ليدخل الخلوة على يد الشيخ، ولدى فراغه منها أجازه وعينه مقدما للطريقة العلاوية بأوروبا، وهذا نص الإجازة: " لقد آذنا لأخينا في الله نشر التعاليم الإسلامية بين قومه من الأوروبيين وليبلغ لهم كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) التي نص عليها الأمر الديني، لقوله تعالى:" ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين". وإني لا أنصحه إلا بما أنصح به نفسي: بأن يتقي الله في السر والعلانية و أن يتجنب شهوات النفس واتباع الهوى،        و أوصيه بالتوكل على الله تعالى في جميع الأحوال، " ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرا ".                    (حرر و وقع بيد عبد ربه، الطائع أمره، والراجي عفوه بفضل كرمه وجوده).

إن الغاية من فتحنا هذا القوس التذكير  بالأحداث فقط لا فتح الجدل القائم  حول خلفيات انفصال (شيون) عن الطريقة العلاوية وتأسيسه طريقة خاصة به .

إن العظمة التي تميزت بها فكرة الشيخ (سيدي عدة) في مراعاة كرامة الإنسان والتسامح الفكري كانت فكرة جليلة أشار لها (جون جبرائيل بروسي) قائلا: " اسألوا الشيخ، يجيبكم أنه لا يريد منكم أن تقدسوه ، إنما يريد فقط ليدلكم على طريقه، كان يقول: " هذه طريقي و أتقبل أن يختار الآخرون طريقهم".

أما (جون بياس) فقد نقل إلينا هو الآخر كلمة الشيخ:" قد بينت لكم طريقي وأبديت لكم سري، فإذا وجدتم من هو أحق مني فأرجو أن لا تذهبوا إليه وحدكم، بل نبهوني لأذهب سويا معكم يدا بيد "[2].

هذا هو (عدة بن تونس) الرجل الجليل و المتواضع في نفس الوقت، الذي جعل طريقه طريق المحبة، كان يتمنى حتى للذين  أهانوه أو افتروا عليه أن يزيد الله في أعمارهم !! سأله أحد أتباعه متعجبا كيف تدعوا لهم بطول العمر وهم يبغضونك فأجاب: "حتى تعطى لهم فرصة بزيادة أعمارهم ليتوبوا".

في ماي 1952 بلغ به المرض مبلغه و رغم ذلك قام بسياحة إلى شرق الجزائر ووسطها. ولدى عودته بدا عليه آثار التعب واضحا، و لما اشتد به المرض طلب منه مريدوه أن يستريح قليلا و يعتني بنفسه، فأجابهم:" دعوا المرض يعمل عمله ودعوني أقوم بعملي".

وفي يوم الجمعة الرابع من شهر جويلية سنة 1952 وقد بلغ من العمر أربعا وخمسين سنة فاضت تلك الروح الطاهرة راجعة إلى مولاها ومحبوبها راضية مرضية, إنها روح عاشت بين الناس في هذه الحياة الدنيا شهيدة بوفاء على قرب الله ورحمته.

كنت حينها أبلغ من العمر ثلاث سنوات ونصف، إلا أنني مازلت أحتفظ في ذاكرتي بذكرى حية عن ملامحه التي ما فتئت تعاودني دون انقطاع، وكأني أراه بارزا من وراء سحاب بمحياه الوردي الواسع الابتسامة، و بلحية خاطها الشيب كنت أجذب إحدى شعراتها كلما حملني ليقبلني.

في يوم وفاته انتاب الزاوية جو من القلق والصخب، حيث عدد لا يحصى من النساء والرجال امتزج بكاؤهم بالسماع وتلاوة القرآن، فكان صداهم يملأ جنبات المحيط، كنت يومها مرعوبا لا أعي ما يحدث أهرول بين غرفة وأخرى أبحث عمن يهدئ من روعي و يؤانسني، وإذا بمربيتي تقطع علي ذلك الذهول بإفهامي أن ما يحدث صعب علي إدراكه. و علمت بعدها أن نهاية هذا الرجل العظيم لم تكن نهاية لغايته ولا نهاية لرسالته.

بعد وفاته حمل المشعل إبنه الأكبر الشيخ (محمد المهدي)[3] بعزم وحزم وشجاعة، و اقترنت خلافته بدخول الجزائر معركة طويلة هي حرب التحرير الوطني، تلك الحرب التي أسفرت عن استقلال الجزائر أي عشر سنوات يوما بيوم بعد انتقال الشيخ (سيدي عدة) إلى الرفيق الأعلى.

واصل الشيخ المهدي في تلك الظروف الصعبة تجسيد المثل العليا السامية التي حملها من قبله رجال أفذاذ همتهم الوحيدة المحافظة على ذلك النور ليبقى بين الناس.

واليوم وبعد خمسين عام من وفاة الشيخ (سيدي عدة) نحي ذكراه  بهذه المقتطفات من مراسلاته ومقالاته المدونة في مجلة المرشد و أحباب الإسلام، لتوضيح بجلاء فكره الذي يدعونا اليوم إلى التأمل ، و هو نفس الغرض الذي دعانا لإقامة هذا الملتقى الدولي تخليدا لمآثره و أعماله  و توضيحا لعالمية منهاجـه   و فكره .   

ذلك الفكر الذي لم يفقد إلى اليوم قدرته على مسايرة الأحداث المعاصرة، وحل المشاكل وتبديد الخلافات القائمة بين مختلف العقائد والثقافات؛ انه يسهم إلى غاية اليوم في إظهار ثقافة الأخوة الإنسانية، تلك الأخوة التي كانت أغلى شيء لديه والتي دعا دوما إلى وجوب المحافظة عليها ووجودها بين الناس.   و لذا قال:

ليـس الشـأن أن تـرانـي  *  إنمـا الشـأن أن تعـرفنـي


[1]   Les Amis de l’Islam n° 36 Mostaganem 1955

[2]   Jean Biès   مصدر سابق

[3]  الشيخ محمد المهدي بن تونس، ولد بمستغانم سنة 1928 و توفي بها سنة 1975 . ابن و خليفة الشيخ سيدي عدة .

          Traduction (Français)                            Documents                        أعلى                   الصفحة السابقة 

 

© adlania 2003.  Toute reproduction sans accord préalable est interdite

Ce site est hébergé par Free.fr